مسرحية “عودة يطو” محاولة في البحث عن المشترك الإنساني
* أفريك نيوز – متابعة –
قدمت فرقة المشهد المسرحي بالقنيطرة مساء الخميس 7 نونبر 2024 بالمركب الثقافي القنيطرة عرضها المسرحي : عودة يطو للروائية والإعلامية بديعة الراضي، وقام بالدراماتورجا والإخراج الفنان محمد الزيات، وكان التشخيص لكل من سعيد غزالة وماجدة زبيطة .
المسرحية تتحدث عن قضية وجودية لها أبعاد قيمية وحقوقية، تتمثل في محاولة البحث عن المشترك الإنساني، الذي يتلخص في الدفاع عن الهوية والمبدأ والتشبث بالقيم الإنسانية النبيلة، إذ يظل البطل في دوامة الدفاع عن ما يؤمن به، خاصة أن الغائبة المبحوث عنها هي الأصل والمركز، وبالتالي فما تطرحه المسرحية يتجاوز ما هو ذاتي إلى ماهو موضوعي، الشيء الذي يدفع إلى إعادة الاعتبار إلى المكون الإنساني والكوني في الارتباط بالعودة إلى الأصل، وهو ما يجعل البطل بالقدر الذي يشعر بالفقد والاغتراب والضياع بالقدر الذي نلاحظه يستعيد حيويته بقوة سيكلوجية حادة، وذلك بالانشداد إلى الماضي باعتباره خزانا لصور في قلب الذاكرة، ومن ثم فالمسرحية تميل إلى طرح القضية الوطنية في خصوصيتها القيمية، والموزعة على الثبات المؤكد للعودة الميمونة إلى نقطة المركز، مع الإيمان بعدالة أحقيتها وشرعيتها في الانغراس في تربتها الأصلية.
وحسب شكل العرض فإن المخرج حرص أولا على دراماتورجيا متحررة من الكتابة الكلاسية في الدراما، حيث نلاحظ حضور ه كصانع للعمل المسرحي، سواء في عناصره التمسرحية، أو في تشكلات تمثيلات علاماته الممسرحة، خاصة اللعب بالجسد، والأداء التعبيري الراقص والحركي، واستخدام الأكسوسوار كالقلة مثلا، واللباس الذي يتداخل مع التبيئة المحلية للدلالة على الفضاء الصحراوي، وهو ما يحول المكان شخصية فاعلة في تخصيب الرؤية، بالإضافة إلى توظيف سينوغرافيا موحية تختزل في خيمتين في قلب حيز صحراوي، تتغير إيقاعيا وفق شطحات ذات حركية ثقيلة مناسبة لأجواء الصحراء، مسنودة بإضاءة معبرة، تملأ الفراغات في الركح بإنتاج متخيل واقعي، يعود بالمشاهد إلى صور ومشاهد الصحراء، خاصة باستعمال المسلاط واستثماره گاسترجاع للذاكرة، و انتشالها من فداحة النسيان فهنيئا للأخ الفنان محمد الزيات الممثل والمخرج على هذا العمل كعرض يتناول قضية المرحلة، وتثبيتها في الذائقة المشهدية صوتا وصورة.
حسب القراءة النقذية ، من حيث النص تميزت بديعة الراضي في مسرحيتها هذه بتقديم نص درامي يجمع بين التوتر النفسي والشعبي. حيث تتناول قضايا عودة ايطو المنبعثة من تحت التراب ورودا، وفقدان الهوية، وملامح التغيرات التي تطرأ على الفرد والمجتمع .
اللغة: اللغة في “عودة إيطو” تجمع بين الفصحى لغة شاعرية ولغة ممسرحة، وهو ما يعكس الواقع الاجتماعي المغربي المعاصر. تستخدم الراضي هذه اللغة كأداة لتكثيف المشاعر والانفعالات، بالإضافة إلى أنها وسيلة للتواصل السلس بين الشخصيات والجمهور.
المواضيع: المسرحية تتناول موضوعات ذات طابع إنساني عالمي، مثل “العودة إلى الوطن” و”التحولات الثقافية” و”الاندماج في مجتمع مزدوج”. يتم التعبير عن تلك الموضوعات بعمق وشاعرية، مما يتيح للجمهور ربط الأحداث بمواقفهم الشخصية.
الشخصيات: الشخصية الرئيسية “إيطو” تمثل نموذج الشخص الذي يعود إلى وطنه بعد فترة من الابعاد ومن خلال الصراع الداخلي والخارجي لهذه الشخصية، يُعالج النص موضوعات مثل الاغتراب، والتغيرات في العلاقة مع المكان والأشخاص بعد العزلة.
2. الدرما والدراماتورجيا:
محمد زيات، من خلال رؤيته الإخراجية، نجح في تقديم المسرحية بأسلوب دراماتورجي يعزز من طاقة الأداء ويكثف الإحساس بالمعاناة والتوتر الذي يعيشه بطل المسرحية.
البناء الدرامي: البناء الدرامي متقن، حيث تتصاعد الأحداث بشكل تدريجي، مما يبني التوتر ويجعل الجمهور ينتظر لحظة الذروة. لحظة العودة تُعتبر محور العمل، حيث يتم التركيز على ما يواجهه الفرد العائد من صدمات ومفاجآت.
الرمزية: المسرحية تحمل في طياتها رمزية قوية؛ فعلى سبيل المثال، “إيطو” يمثل الشخص العائد من الخارج الذي يحاول البحث عن مكانه في مجتمع تغير بشكل جذري.
المؤثرات البصرية: الأداء المسرحي يتكامل مع المؤثرات البصرية مثل الإضاءة، التي تُستخدم لتحديد اللحظات المهمة، وتعزيز الإحساس بالانعزال أو الاندماج.
3. الإخراج:
إخراج محمد زيات في “عودة إيطو” تميز بالقدرة على التحكم في أجواء المسرحية، وتوجيه الشخصيات بطريقة تعكس التوتر الداخلي. استخدامه للأماكن المحدودة والمكثفة في المسرح يعكس الضغوط النفسية والاقتصادية التي يشعر بها العائدون من الغربة.
التمثيل: التوجيه التمثيلي كان متقنًا، حيث استطاع الممثلون أن يبرزوا التناقضات داخل الشخصيات بشكل مؤثر. الأداء العاطفي كان يعكس صراع الهوية والتاريخ الشخصي، مما جعل الجمهور يتفاعل مع الأحداث.
التقنيات المسرحية: استخدام الحركات الجسدية كان جزءًا مهمًا في تعبير الشخصيات عن مشاعرها المتناقضة. كما كان هناك تناغم بين الممثلين والمكان، مما ساعد في بناء صورة ذهنية لعودة “إيطو” وأثرها على محيطه.
4. التفاعل مع الجمهور:
على الرغم من أن المسرحية تتناول مواضيع حساسة، إلا أن محمد زيات تمكن من جعل الجمهور يتفاعل بشكل عاطفي مع الأحداث، حيث تجسد الصراع في داخل الشخصيات وفي العلاقات بين الناس. كانت هناك لحظات من التوتر التام التي جعلت الجمهور يظل على حافة مقاعده طوال العرض.
الخلاصة:
مسرحية “عودة إيطو” هي عمل مسرحي متكامل يجمع بين النص العميق والإخراج المدروس. تتمثل قوتها في قدرتها على تناول موضوعات مهمة ومعاصرة بأسلوب فني بديع، حيث يجسد الصراع الداخلي للشخصية وتحديات العودة إلى الوطن بعد الغربة.
0
اتـرك تـعـلـيـق 0 تـعـلـيـقـات